أخبار

باسم غازي يكتب: في رثاء حبيب.. لا تقلق يا صديقي فلم أعد أخاف من ألم الأسنان

تعالي يا صديقي سأحكي لك عن حال الدنيا ويكفيني فقط أن تسمع، أود أن أخبرك بشييء جميل؛ أنا الآن لا أشعر بألم الأسنان لا أخاف من وجع جذور ضرس العقل في منتصف الليل، لا أهتم عندما تلتهب اللثة، أستخدم معجون جميل يجعلني أتخلص من اللون الأصفر في أسناني المتأثرة مثلك تمامًا من دخان السجائر كتبته لي الطبيبة ذات مرة في روشتة العلاج، حتي حقنة البنج الكبيرة المستفزة و المخيفة لم تعد قادرة علي جعلي أغمض عيني حتي لا أري شكلها و هي تخترق الفك، أقول لك شيئًا آخر صوت آلة الحفر المدببة “الكونترا”، -هكذا يسمونها- لم يعد يحرك صوتها لي ساكنًا بل لم يعد يتسبب في قشعريرة جسدي، استسلم فقط ليد الطبيبة أتركها تفعل ما تريد لا شك لدي في أني سأقوم من تحت يديها البريئتين صاحب أسنان عشرينية ناصعة البياض وفي غاية المتانة ولا تعاني من طبقات الجير المتراكم.
أري أسئلة كثيرة علي ملامح وجهك الحلو عن تلك الطبيبة، نعم؛ هي الطفلة ذات الضفائر التي كانت تجلس علي رجيلك في هذا المكتب البني ذي الطابع الأرابيسكي، هي التي كانت تملك كل عالمك، هي صاحبة القلب الأخضر الحزين علي فراقك، صارت الآن كما كنت تتمني، هي يا صديقي تلك الطفلة التي كانت تأكل الشيبسي و تفرح بالأيس كريم وقوالب الشيكولاتة بالبندق و غيرها من الذكريات، هي تلك الفتاة التي أحرزت أهدافًا كتثيرة في كرة السلة و أنت الوحيد الذي استطعت هزيمتها وهزيمتنا بتخليك عها وعنا والمغادرة.
في كل كلمة أكتبها أحاول تطبيب قلبها الصغير، أعرف أنها تحبس دموعها وهي تقرأ وتستحضر كثير من الذكريات والحكايات التي تريد أن تحكيها لك مثل كل فتاة “حبيبة أبوها”، تقول الآن “لو كان بابا عايش كنت.. “.
أظن تلك الدموع الواضحة في عينيك هي من أثر الفرح، نعم يا شيخ العرب، إنها الجميلة “تقي” الدكتورة “تقي” هي التي جعلتني أفقد أي خوف من ألم أسناني بعدما تخرجت في كلية طب الأسنان وأصبحت متخصصة في الشيء الوحيد الذي كنا نخاف أنا وأنت من ألمه.
تلملم الآن ضفائر شعرها بنفسها، تضع الكمامة علي فمها وترتدي القفازات وتخفف آلام الكثيرين، ترفع الوجع من أسنانهم وأجسادهم أيضًا، يقولون يا صديقي إن الجسد والروح يجتمعان في ألم الأسنان لذلك فوجع الأسنان هو الأقوي والأشد قسوة، تخيل أن تقي صاحبة الوجع الأكبر بفقدانك صامدة وتعالج وتنهي هذا الوجع وقلبها جريح، تجعل من يخاف من شكل ابتسامته يبتسم، تسعد كثيرين من المرضي، و تتنمني أن تراك لتسعد، لم تعد رؤياك في المنام تنهي ذلك الشبق، ينتهي الحلم وتستيقظ و تواصل حوارها معك، وتسأل لماذا رحلت؟.
جمال يا نور الفجر، يا وجه القمر والأرض والسماء، طال غيابك يا صديقي، كلنا في الأرض كما تركتنا، طالتنا تغيرات وبانت تجاعيد الوجه ولمعة اليدين؛ لم نعد نأكل كثيرًا لم تعد الضحكة كما كانت و لا الأيام أيضًا، فقط نصف ضحكة وبقايا حكايات مكررة و محاولات لدفع الأيام حتي نصل إلي خط النهاية؛ وبدلًا من أحكي معك من عالمنا هنا أحكي معك وجهًا لوجه إذا كتب الله لي الجنة.
يا صديقي هل كفر يعقوب حينما ابيضت عيناه من الحزن وهو كظيم إلا لفراق يوسف؛ نعم نبكي رغم يقيننا أنك حي، نحزن رغم يقيننا أنك فرح بما آتاك الله من فضله، كل كلمات الرثاء عاجزة، كل دموع الألم غير كافية، في عامك التاسع عند الله تتدحرج الذكرى بين زوايا العتمة، وخواطر البوح، وتباريح السفر لا الدمع يكفكف الآم الرحيل، ولا الوجع الضارب في أعماق النفس يخفف لوعة الفقد، ولا التوقف عند محطات الرفاق يجلب شيئا من السلوى.
أقسم لك أنك كنت أقوى من جراحك، أقوى من زمانك ألف مرة، لكن كان الموت أقوي منك، تلك الرجفة التي هزت قاع قلبي حين قبلت جبينك، لا ألم يضاهي ألمها ولا ذكرى أبشع منها ولا حزن يفوقها، فليرحم الله أول هزائمي في الحياة وأعظم خسائري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى